نوف الموسى (دبي)

«قبل فوات الأوان ـ التراث المعماري الحديث في الإمارات»، لم يكن مجرد عنوانٍ لجلسة نقاشية، نظمتها وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، مساء أول من أمس، في «المجلس» بمدينة دبي، بل مواجهة حيّة مع معضلة «العمارة والهوية الثقافية» في المنطقة المحلية، أمام ضخامة المتغيرات التنموية السريعة، وإمكانية البدء بتشكيل وعي مجتمعي، يُساهم في صون التراث المعماري، من خلال تمكين الفرد بمرجعية معرفية علمية، تنطلق بسؤال: «ماهية تعريف التراث المعماري في الإمارات؟» والذي وجهته المهندسة المعمارية د. الأميرة ريم الهاشمي إلى المتخصصين المشاركين في الجلسة، بحضور معالي نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، التي استمعت إلى مداخلات الجمهور النوعية، وتطلعاتهم نحو إمكانية ابتكار أدوات تفاعلية، توسع حدود أمكنة الحصون التاريخية، عبر جعلها قادرة على خلق إحساس هارموني مجتمعي مشترك. وتكمن قوة الطرح من قبل «وزارة الثقافة وتنمية المعرفة»، في جعل المتلقي، أمام مسؤولية زمنية، تحتم علينا جميعاً تحملها منذ هذه اللحظة، قبل فوات أوان القدرة البديعة في جعل التراث المعماري، امتداداً للفضاءات المفتوحة، التي من خلالها نعيد إنتاج قيّم العمارة وتأثير طرق تفكيرنا وسلوكياتنا ومستوى متغيراتنا السياسية كمثل (قيام الاتحاد)، والاقتصادية كالذي أحدثه (ظهور النفط) على تكوين البيئة المحيطة بنا.

الظاهرة والتسمية
رغم التحدي الكبير الذي أبدته المهندسة المعمارية أدينا هيمبل، أستاذ مشارك في كلية الفنون والمؤسسات الإبداعية بجامعة زايد في دبي، بعدم وجود تعريف واضح حول «ما هو التراث المعماري الحديث؟»، وهل يمكن ربط التسمية بما هو عصري، أم بظاهرة الحداثة نفسها، فكما هو معروف أن «الحداثة» حركة فلسفية جاءت من الغرب، في القرن الـ 19، بالمقابل فإن «التراث المعماري الحديث» ودولة الإمارات، مسألتان ستقدمان أوجهاً مغايرة للتعريف، كونه تأصيلاً لطبيعة المكان نفسه، متفقة بذلك مع ما قدمته المهندسة المعمارية شذى الملا رئيسة وحدة الدراسات والأبحاث في قسم التراث المعماري وقسم الآثار في بلدية دبي، حول ارتباط التعريف بالفترة الزمنية لـ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وما شهدته الإمارات، من تحول للبنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وانكشف من خلالها مكونات المساحات المتساوية للثقافات والأديان والجنسيات المختلفة، (دبي نموذجاً)، مؤثراً بذلك على البُعد الحضري للمدينة. ودعمت هيمبل اتفاقها مع شذى، بطرح متغير «المواد المستخدمة» في البناء، كإضفاء لمكونات التعريف، بالانتقال من استخدام «العريش» وسعف النخيل إلى مادة الـ «كونكريت»، وهو جزء من التنامي الاقتصادي، الذي استطاع توفير المكونات المستوردة، مضيفةً هيمبل أن الجزء المتعلق بالمواد، قد ينظر إليه، باعتباره يعكس بُعداً حداثياً.
من خلال أبحاثها تدرس شذى الملا، أهمية وضع الإطار القانوني لما تسميه بـ «إدارة» صون الأبنية، لا التحكم أو السيطرة عليها، ما سيساهم في جعل الناس أكثر وعياً بالعمارة وإرثها، بناءً على الأسس التي نشأت عليها أيقونات العمارة في الستينيات والسبعينيات، إلى جانب مطالبتها باستمرار تشجيع تواجد الناس في تلك الأمكنة والعيش فيها، كجزء من عملية صون التراث المعماري، فالأخير مثل محوراً تطرقت إليه المهندسة المعمارية منى المصفي مؤسسة استوديو «سبيس كونتنيوم»، والاستشاري المعماري لمؤسسة الشارقة للفنون، بأنه يمثل تعبيراً للمنطقة، ويجسد تحولاته من الماضي إلى الحاضر، وهو مشروع تحول اجتماعي محلي، نراه في المدارس والمستشفيات والبلديات وغيرها، وأثارت المصفي في وسط تفسيرها لإمكانية التعرف على العمارة عبر تقنيات الحداثة، في العالم، من بينها أوروبا، في أن الأبنية ذات المنحى التاريخي، بشكل مفرط، لا تعكس مثلاً الحراك الصناعي للمجتمع، ما يجعلها تشكل قناعاً، وأرادت الحداثة أن تكشفه بتغير الآلية التقنية فيها.

الوعي المجتمعي
وفي أوج حديث منى المصفي، عن أحدى مشاريعها في النماذج المبدئية للمدارس، أوضحت كيف أن الاشتغال على المساحات المفتوحة، والاهتمام بضرورة شعور الطالب وقتها، بالمناخ الخارجي، بينما يمر بين الصفوف، يؤكد مبدأ علاقة العمارة بالبيئة، أيدها بذلك المصمم عامر الداعور، المتخصص في إنشاء أعمال تتقاطع مع عالم الهندسة والتكنولوجيا والتصميم، أن استشفاف العمارة في تفهمها للبرودة والحرارة وغيرها من التفاعلات البيئية، يجعلها متفردة، ويكمن أهمية إبقاء إرث العمارة، من خلال طرح حكايا الناس مع المكان، فالكل يعلم مدى جاذبية مستشفى دبي، مع الحديقة الخضراء الأمامية، الذي يتجاوز توفير الرعاية الصحية، ويطور تماهي المستخدمين للمكان، والذي ينتج بطبيعته الوعي المجتمعي، من جهتها شبهت أدينا هيمبل، مستشفى دبي بـ الفندق ورغبة المعماري بأن يجعلها منطقة استجمام. ونبهت هيمبل أن الوعي المجتمعي، يواجه نقصاً كبيراً في المعلومات، قائلةً: «قرابة الـ 80% من هذه الأبنية، لا نعرف عنها شيئاً، ولا نملك معلومات عن المعماريين، ومنها جاءت مبادرة «العمارة في الإمارات» في محاولة لـ تأسيس مجرى بحثي، يقدم برنامجاً في جامعة زايد، وهي فرصة مذهلة، إلا أن التحدي الأكبر أيضاً، في كيفية إدخال البيانات في عملية التعلم نفسها».
قالت شذى الملا بأنها المرة الأولى التي تزور فيها مبنى «المجلس»، ما يعرف بـ منزل رجل الأعمال الإماراتي عبدالرحمن عبدالله الجلاف. يتميز المنزل الثمانيني بهندسية عصرية ذات معمار حديث، وبالنسبة لشذى فإن القيمة التي ترى فيها عمارة البيت، تختلف عن القيمة التي يرى فيها صاحب البيت نفسه، ما يجعلها تعتبر أن قيم العمارة تتجسد اعتماداً على من يُعرفها. وفي مسألة الإبقاء على الأبنية، أشارت منى المصفي، إلى أن هناك وجهات نظر عديدة، من بينها رؤية المبنى بأنه شيء حيّ، نحترمه عبر تقديم حياة جديدة له، دون المساس بمفهومه الأساسي، حتى الحالة الاجتماعية للمكان، يجب أن نحافظ عليها، وتبرز الحداثة عادةً في البعد التقني، الذي يمثل تحديات كبيرة على المستوى المعماري.